في الأيام الماضية، بات من الواضح أن السعودية ترغب بدخول المعركة الإنتخابيّة بكل قوتها، بعد أن كان الكثيرون يتحدثون أن عودتها إلى لبنان غير مرتبطة بهذا الإستحقاق، نظراً إلى أنها جاءت بعد الإنتهاء من عمليّة تشكيل اللوائح بشكل رسمي، لكن اللافت هو أنّ بوابتها الرئيسيّة كانت الهجوم العنيف على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
من حيث المبدأ، الطريقة التي تتعامل فيها الرياض مع الحريري تؤكد، بما لا يقبل الشك، أن رئيس الحكومة السابق أثبت أنّه الأكثر قدرة على التأثير في خيارات الناخبين السّنة، بينما لم تنجح مختلف الشخصيّات والقوى التي سعت إلى "وراثته" في تحقيق الهدف المطلوب منها، مع العلم أنها كانت، طوال الفترة الماضية، تطالبه بالتدخل لدعمها بعد أن كانت توجه له الإتّهامات بالضعف.
بعيداً عن الخيارات التي من الممكن أن يذهب إليها تيار "المستقبل" في الإنتخابات النّيابية، سواء كانت الإستمرار بالمقاطعة أو الدعوة إلى التصويت أو دعم لوائح محددة في مختلف الدوائر، تشدد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، على أن من الضروري السؤال عما إذا كان الهدف السعودي، من الحملة التي تشنّ على الحريري، هو فعلاً فقط دفعه للمشاركة في هذا الإستحقاق فقط، خصوصاً إذا ما كانت هذه الحملة قراراً رسمياً من قبلها، لا مجرد وجهة نظر يعبّر عنها بعض المسؤولين فيها.
وتعتبر المصادر نفسها أن ما ينبغي التوقف عنده هو الأوصاف التي تطلق عليه، لناحية الحديث عن أنه يخدم قتلة والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري أو باع دمه مقابل عدم فتح ملفات الفساد التي تورّط بها، بالإضافة إلى الإشارة إلى أنه واحد من الطاقم السياسي المطلوب إزالته من المشهد اللبناني تماماً، من دون تجاهل الإشارة إلى أنّ ما يقوم به يخدم "حزب الله" وحلفائه في الإستحقاق الإنتخابي.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذه الحملة تعني أن الهدف لم يعد يقتصر على دفع رئيس الحكومة السابق إلى المشاركة في الإستحقاق الإنتخابي، بالرغم من أنها قد لا تؤدي إلى تبديل موازين القوى بشكل عام، بل المطلوب منها الإنتقال إلى مرحلة جديدة، عنوانها الأساسي هو "تعرية" الحريري سنّياً، عبر الذهاب إلى تحميله شخصياً مسؤوليّة الواقع الذي تمرّ به الطائفة، وبالتالي إزالة "الشرعيّة" عنه.
في قراءة مصادر مطّلعة على الواقع السني، فإنّ الرياض، الغاضبة على رئيس الحكومة السابق منذ تاريخ التسوية الرئاسيّة مع "التيار الوطني الحرّ"، حين ذهب وزير الخارجية السعوديّة عادل الجبير إلى إبلاغ الحريري بأنّ عليه أن يتحمل مسؤوليّة أيّ خيار يتّخذه، قبل أن تتفاقم الأمور بعد حادثة إجباره على الإستقالة من رئاسة الحكومة في العام 2017، التي عاد عنها بعد عودته إلى بيروت نتيجة تدخّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالأمر، تريد أن تعلن أنّها هي من تقرّر التوجّه في الساحة السنية لا أيّ جهة أخرى.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، منذ ذلك الوقت كان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق بالتوجّهات التي من الممكن أن تذهب إليها الرياض في لبنان، خصوصاً مع تزايد المؤشرات على أنها باتت تعتبر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع هو الممثل الأول لها على هذه الساحة، من دون أن تظهر أيّ دعم لأيّ شخصية محدّدة على الساحة السنّية، حيث كان الجميع يتحدث عن أنّ الحريري لم يعد "نجلها المدلّل"، لكن في المقابل هي لم تتبنَّ أيّ بديل عنه.
في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنّ السعوديّة، في المرحلة الراهنة، تريد أن تقول أنها هي من صنع زعامة آل الحريري في الساحة السنية، سواء كان ذلك مع الوالد أو الابن، وبالتالي هي من يملك القدرة على تحديد خيارات هذه الساحة في الاستحقاقات المصيريّة، حتى ولو تطلّب ذلك تهديد هذه الزعامة بنزع الشرعيّة عنها في حال عاكست رغباتها، بغض النظر عما إذا كانت ستنجح في ذلك أم لا، خصوصاً أن الحملة الحاليّة تعطي على ما يبدو نتائج عكسيّة.